بين زحام الشاشات هل ما يزال الورق حياً ؟!
25 يناير، 2023على الرغم من وصولنا إلى عصر المعلومة القصيرة والسريعة تبقى الكتب هي خوابي العلوم والبوابات إلى عوالم أفكار البشر عبر العصور، تلخص لنا أياماً طوال وعقوداً انصرمت في صفحات معدودة وتعطينا خلاصة القول الفصل في نظريات ومغالطات استمر الجدال فيها دهراً.
ولا عجب أن الكتب بقيت وصارعت وانتصرت على باقي الوسائل الأخرى كمرجعية أكاديمية وتاريخية تحنى لها رؤوس الباحثين عن الحقيقة والمعرفة، فما هي المادة المرئية التي سيضاهي إخراجها المادة التي سيكون عقلك هو المخرج فيها! ومن ذا الذي سيضيف دبلجة للكلمات أفضل من تلك التي يلبسها عقلك لكل شخصية في كل رواية وكل كلمة تقرؤها لكل كاتب باختلاف أشكالهم وأزمانهم وثقافاتهم وسيبقى الكتاب هو المنفرد الوحيد بهذه الميزة وستبقى الكتب تملك مفاتيح البوابات الزمنية للعلوم عبر امتداد العصور.
لا مهرب من القراءة
قد تبدو القراءة لغير المعتادين عليها عملية مملة ومتعبة في ظل ضجيج شبكات نشر المحتوى البسيط والمسلي لذا ما هي الثمرة الفعلية التي تدفع الإنسان “باعتباره كائن يميل للكسل ويقتصد في الجهد” إلى سلوك طريق القراءة الطويل بالرغم من وجود بدائل في عصرنا تغنيه عن تلك الرحلة الشاقة
موثوقية المعلومة
الكتب مواد اكاديمية موثقة بمراجع تضمن تصديق المعلومة او تغليطها على عكس الوسائط الأخرى التي تعطي ناشر المحتوى والأفكار حرية تقديم ما يرى ويهوى دون المسائلة عن مصادره ومراجعه
والقراءة هي الرجوع إلى مصادر المعلومات فالكتب تعتبر أداة مرجعية تحفظ العلم كنوع من مهمتها الأساسية التي وجدت من أجلها ولولا تلك المهمة لاكتفى الناس بحفظ العلوم في صدورهم ونقله للأجيال مشافهةً واضعين أفكارهم رهن مخاطر التحريف أو الضياع كما كان يحدث قديماً وإذ يمكننا الاستدلال بذلك بقيام الصحابة والتابعين بحفظ القرآن والسنة في الكتب وذلك ما سخرهم الله به لحفظ تعاليم الإسلام
المرونة وسرعة التصفح
ميزة القراءة الفضلى هي حرية التنقل بالمحتوى الذي بين يدي القارئ على عكس الوسائط الأخرى التي قد تلزم مستهلكها بتناولها دفعة واحدة لإن المحتوى المرئي أو المسموع وإن علم عنوانه قد تبقى تفاصيله مبهمة فكم مقطع مرئي ندمت على مشاهدته أو محاضرة صوتية تمنيت لو كانت مختصرة أكثر أما بالقراءة نستطيع التحكم بسرعة تدفق المعلومات إلينا بوتيرة تختلف بحسب أهميتها لنا وألفتها من عدمها وهنا يكمن السر في أننا نرى أناس يستطيعون إنهاء كتاب بجلسة واحدة وآخرون يتطلب منهم الأمر أياماً وأسابيع فالقارئ الأول من الممكن أن تكون كمية المعلومات الجديدة عليه قليلة وربما قد تتلخص ببضع صفحات على العكس من ذاك الأخير وهنا يكمن سر القراءة الجردية ومهارة القراءة السريعة
زيادة المعرفة
جل المحتوى المرئي المفيد يعتمد في الغالب على مصادر مكتوبة فإننا نرى العديد إن لم يكن معظم الأفلام والمسلسلات والاعمال السينمائية مقتبسة من رواية أو قصة أو اسطورة مدونة في كتاب ما
وهذا ليس حكراً على شاشات التلفاز فإننا نرى معظم صناع المحتوى ذو القيمة الثقافية يردفون مصادرهم من الكتب أو المقالات أو الورقات البحثية ويحيلون المشاهد اليها، هذا ما يدلنا على أن هناك كم قليل فقط من المعلومات المتواجدة في مناجم المكتبات قد رأت نور الشاشات وظهرت كمحتوى شائع يتناقل بين ايدي اليافعين والكبار والمثقفين والعوام
لذا فان تناولك الكتب ومطالعتك إياها تضمن لك النهر الجاري الصافي والغزير بالمعلومات عوضاً عن قنوات السقاية الشحيحة التي تردك من خلال الوسائل الأخرى وهذا إن ضمنت عدم تعرضها لشوائب الناقلين في طريقها إليك
الاطلاع على ثقافات أخرى
يقال إن السفر يوّسع مدارك المرء ويزيد من خبراته ومعارفه فماذا لو قلنا لك أن القراءة تضمن لك رحلات سياحية بلا رسوم أو تأشيرات سفر إلى عوالم أفكار الكتّاب على اختلاف لغاتهم ومعتقداتهم وألوانهم بل حتى أنها تتيح لك السفر عبر الزمن ومجالسة أقوام قضوا بل التسكع في سوق عكاظ وحتى قراءة المعلقات على جدار الكعبة
تحسين القدرة على الكتابة
لا شك أن كثرة التعرض للكلمات البلاغية وتذوق الألوان الأدبية يدرب القارئ على قواعد تركيب الجمل ويثري جعبته بالمصطلحات والمفردات مما يعينه على التعبير عن أفكاره وآراءه ومعتقداته بسهولة أكبر فالقارئ يتعرض لمخزون أكبر من الكلمات عن غيره الذي قد يكتفي بتكرار الكلمات التي يتطلبها رويتنه اليومي لذا نرى أن تعلم بضع ألوف من كلمات أي لغة يؤهلك للتعامل مع المواقف اليومية وربما التفاهم مع معظم ناطقين تلك اللغة لكن هذا العدد من الكلمات نفسه لا يساعدك إذا ما اتجهت لقراءة مؤلفات أدبية فيها وهنا نرى الفائدة العظمى من القراءة اشباع حاجة متأصلة في الانسان وهي التعبير عن نفسه لذا نحن نستطيع تفسيرنا لقصائد الشعر بأنها وصفت ما عجزت السنتنا عن تعبيره كما أنا نتعلق بعمل فنّي لإنه طرح قضية اجتماعية أو قصة عانينا منها فالقدرة على التعبير هي ما يميز من يطلق عليه مثقفا في مجتمعنا عن غيره من الناس
وفي النهاية المعرفة والحكمة هي ضالة الباحث عن الحق والحقيقة فأينما وجدها فهو أحق بها وعليه فإنه كيفما وجدها وما هو الطريق الذي أوصله إليها هي مقصده ومنتهى مبتغاه سواء كانت في كتاب أم شريط مصور أو مقطع صوتي أو حتى مثل متداول أو قصة من أثر الغابرين وطالما أن قدراتنا البشرية الحالية لا تسعنا أن نضع محتوى كل الكتب على الشبكة العنكبوتية أو تسمح لنا بتحويل الكتب إلى وسائط أكثر انتشارا ستبقى الكتب هي خوابي العلوم وتبقى القراءة هي منهل تلك الخوابي ومغارفها.